المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ودورها في دعم الشباب

 

المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ودورها في دعم الشباب




مقدمة

تُعد فئة الشباب من أهم ركائز المجتمع ومحور التنمية المستدامة في أي بلد. وبما أن المغرب يتمتع بتركيبة سكانية شابة، فإن تمكين هذه الفئة وإدماجها الاقتصادي والاجتماعي أصبح من أولويات السياسات العمومية. في هذا الإطار، برزت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (INDH)، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2005، كأحد أهم البرامج التنموية التي تهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء، مع إعطاء مكانة محورية للشباب.

في نسختها الثالثة التي انطلقت سنة 2019، تم التركيز بشكل خاص على دعم قدرات الشباب وتيسير ولوجهم لسوق الشغل، من خلال محور رئيسي سُمّي بـ**"تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب"**. فكيف تساهم المبادرة الوطنية في تحقيق هذا الهدف؟ وما هي آلياتها وبرامجها؟ وما هو وقعها الملموس على الشباب المغربي؟


أولاً: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية – نظرة عامة

1.1. النشأة والأهداف

أُطلقت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في 18 ماي 2005، كبرنامج طموح يرتكز على قيم التضامن والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، وتهدف إلى:

  • الحد من الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي.

  • تحسين ظروف عيش الفئات المستضعفة.

  • دعم الاقتصاد المحلي.

  • تعزيز الحكامة التشاركية من خلال إشراك الجماعات المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

1.2. المراحل الثلاث للمبادرة

  1. المرحلة الأولى (2005–2010): ركزت على محاربة الفقر في الوسط القروي والإقصاء في المدن، من خلال مشاريع بنيوية وتحسين الخدمات الأساسية.

  2. المرحلة الثانية (2011–2018): ركزت على تعميق المكتسبات وتوسيع نطاق التدخل، مع تحسين مؤشرات الصحة والتعليم والبنية التحتية.

  3. المرحلة الثالثة (2019–2023): تتميز باعتماد مقاربة جديدة قائمة على تنمية الرأسمال البشري، وخصصت إحدى ركائزها لدعم إدماج الشباب اقتصادياً.


ثانياً: دعم الشباب في إطار المرحلة الثالثة للمبادرة

2.1. المحور الثالث: تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب

يرتكز هذا المحور على تشجيع قابلية تشغيل الشباب ومواكبة مبادراتهم الفردية أو الجماعية، عبر أربع دعامات رئيسية:

أ. إحداث منصات الشباب

هي فضاءات تم إحداثها في عدد كبير من العمالات والأقاليم، وتهدف إلى:

  • استقبال الشباب الباحثين عن فرص العمل أو الراغبين في ولوج عالم ريادة الأعمال.

  • تقديم خدمات التوجيه والإرشاد.

  • مواكبة حاملي الأفكار والمشاريع.

  • تمكينهم من تكوينات تقنية ومهاراتية حسب مؤهلاتهم وسوق الشغل.

ب. دعم المقاولات الصغرى ومشاريع ريادة الأعمال

تقدم المبادرة عبر هذه الدعامات:

  • تمويل المشاريع بنسبة تصل إلى 70% على شكل دعم غير قابل للاسترداد.

  • تمويل عبر قروض شرف بدون فائدة.

  • مواكبة تقنية وإدارية ومحاسباتية لحاملي المشاريع.

ج. تطوير الاقتصاد الاجتماعي والتضامني

تعتمد هذه الآلية على:

  • دعم التعاونيات الشبابية.

  • تشجيع سلاسل الإنتاج المحلي.

  • تثمين المنتجات المجالية.

  • تقوية آليات التسويق والتوزيع.

د. تعزيز كفاءات الشباب

يتم ذلك من خلال:

  • تكوينات في المهارات الحياتية (soft skills).

  • دورات في ريادة الأعمال والتدبير المالي والإداري.

  • مواكبة نفسية واجتماعية لفائدة شباب في وضعية صعبة.


ثالثاً: أثر المبادرة على الواقع الشبابي

3.1. أرقام ودلالات

حسب آخر تقارير اللجنة الوطنية للمبادرة، فقد تم:

  • إحداث أكثر من 170 منصة للشباب عبر مختلف جهات المملكة.

  • دعم أزيد من 15 ألف مشروع شبابي بين 2019 و2023.

  • خلق ما يفوق 45 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

  • مواكبة أكثر من 120 ألف شاب في البحث عن عمل أو خلق مشروع ذاتي.

3.2. قصص نجاح

ظهرت عدة تجارب ناجحة لشباب مغاربة تمكنوا من تحقيق ذاتهم عبر برامج المبادرة، من بينها:

  • شابة من فكيك أنشأت مقاولة لإنتاج مواد التجميل من الأعشاب الطبيعية.

  • تعاونية شبابية في تنغير تشتغل على تثمين التمور وتسويقها وطنياً ودولياً.

  • مشروع رقمي في تطوان أطلقه شاب متخصص في البرمجة لتوفير خدمات التسويق الإلكتروني للمقاولات الصغيرة.


رابعاً: التحديات التي تواجه إدماج الشباب

رغم النجاحات التي حققتها المبادرة، إلا أن هناك مجموعة من التحديات ما تزال قائمة، منها:

4.1. ضعف ثقافة ريادة الأعمال

لا يزال جزء كبير من الشباب يفتقد للثقة في قدرته على خلق مشروع خاص به، ويُفضل انتظار وظيفة عمومية.

4.2. التفاوتات المجالية

توجد فجوة كبيرة بين المدن الكبرى والقرى النائية في ما يخص الفرص المتاحة، والبنية التحتية، والمواكبة.

4.3. ضعف التكوين والملاءمة مع سوق الشغل

غالباً ما تكون التكوينات التي تلقاها الشباب غير ملائمة لمتطلبات سوق العمل، مما يجعل إدماجهم صعباً.

4.4. تحديات التمويل المستدام

رغم الدعم المقدم من طرف المبادرة، إلا أن بعض المشاريع تفشل بسبب عدم قدرة أصحابها على تأمين تمويل مستمر بعد المرحلة الأولى.


خامساً: الآفاق المستقبلية للمبادرة

تسعى الدولة المغربية إلى تطوير برامج المبادرة الوطنية وفق مقاربة متجددة تراعي التحديات السابقة، وذلك من خلال:

5.1. اعتماد الرقمنة

  • إطلاق منصات رقمية للتوجيه وتقديم الدعم عن بُعد.

  • ربط الشباب بفرص العمل الحرة والمقاولات عن طريق تطبيقات إلكترونية.

5.2. تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص

  • تشجيع المقاولات الكبرى على مواكبة المشاريع الناشئة.

  • إدماج الشباب في سلاسل الإنتاج والتوزيع للشركات الوطنية.

5.3. دعم الابتكار الاجتماعي والتكنولوجي

  • تشجيع حاضنات ومسرّعات الأعمال الموجهة للشباب.

  • تمويل المشاريع ذات البعد البيئي أو الرقمي أو الثقافي.

5.4. توسيع نطاق الاستهداف

  • الاهتمام بالشباب ذوي الإعاقة أو في وضعية الشارع.

  • توجيه الدعم للفتيات القرويات وذوات المشاريع المنزلية.


خاتمة

تُعد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نموذجاً مغربياً رائداً في مجال التنمية المستدامة، إذ انتقلت من مرحلة تحسين البنية التحتية إلى مرحلة بناء الإنسان، وخصوصاً الشباب. ومع الرؤية المتجددة التي تعتمدها الدولة، فإن هذه المبادرة أصبحت أداة استراتيجية لإدماج الشباب في الدورة الاقتصادية والاجتماعية، وتمكينهم من أن يكونوا فاعلين في تنمية وطنهم لا فقط مستفيدين منها.

إن استمرارية هذا المجهود الوطني، ونجاعته، يتطلبان مزيداً من الانخراط الجماعي من جميع الفاعلين: الدولة، الجماعات الترابية، المجتمع المدني، والمقاولات الخاصة، من أجل بناء مغرب الفرص والكرامة لجميع شبابه

تعليقات